لا شك أن الإقلاع التام عن التدخين هو الحل المثالي لمواجهة الأضرار الناتجة عن هذه العادة السيئة. وعبر مساعي المنظمات الصحية والجهات الهادفة لمواجهة التدخين وجدت بعض الأدوية التي تساعد على الإقلاع، ولكن للأسف لم تثبت جدواها مع العديد من المدخنين الذين تلقوا العلاج وعادوا للتدخين من جديد.
حتى أنه وعلى الرغم من كل السياسات المناهضة للتدخين، هناك اتجاه تصاعدي في استخدام السجائر باعتباره سلوك مقبول اجتماعيًا وعادة تساعد البعض على التواصل مع الآخرين، بغض النظر عن كون التدخين يمثل مشكلة إدمان كبيرة.
لذلك فإن استخدام البدائل المبتكرة الخالية من الدخان وخاصة لأولئك الذين لا يرغبون في الإقلاع أمر هام وضروري، حيث أظهرت إحدى الدراسات أن استخدام السجائر الإلكترونية كان فعالاً في الإقلاع، حيث تحافظ على مستويات النيكوتين بنسب منخفضة، باعتبارها المادة التي قد تسبب الإدمان.
من جانبه قال الخبير الإسباني، نيكولاس روبرتو مونتيوليفا، أخصائي أمراض الكلى والمتخصص في ارتفاع ضغط الدم الشرياني وأستاذ العلوم الصحية، في مقابلة أجرتها صحيفة إلبيريوديكو إكستريمادورا الإسبانية (El Periodico Extremadura)، أن الدخان الناتج عن عملية احتراق التبغ في السجائر التقليدية هو السبب الرئيسي في الأضرار الصحية الناتجة عن التدخين، لأن ذلك يؤدي إلى تولّد مواد مثل النتروزامين نتيجة الاحتراق إلى جانب نحو مائة مادة أخرى يحتمل سميتها وتسبب أضرار صحية بالغة بالكلى والمثانة، لافتا إلى أن السبب الأول لسرطان المثانة هو تدخين السجائر.
وأضاف الخبير الإسباني، أن منتجات التبغ البديلة التي لا تعتمد على الحرق تقلل من خطر الإصابة بالسرطان. وأن هناك العديد من الدراسات التي تُجرى حاليًا في اليابان (وهي أول دولة تسمح بالسجائر الإلكترونية) والتي أظهرت بيانات أولية لها عن تحسن في معدلات الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتدخين ومنها الانسداد الرئوي المزمن، حيث انخفضت عدد الحالات وكذلك مستوى شدة النوبات، لدى المدخنين الذي اعتمدوا على المنتجات البديلة التي تعتمد على تسخين التبغ وليس حرقه.
ويتابع الدكتور مونتيوليفا، أن محتوى النيكوتين في السجائر الإلكترونية أقل بكثير من السجائر التقليدية، وهو ما يكفي حتى لا يعاني المرضى من أعراض الانسحاب. قائلا: “إذا لم يتمكن المريض من الإقلاع عن التدخين، فإننا على الأقل نقلل من المخاطر، فالمخاطر التي يتعرض لها مستخدم السجائر الإلكترونية نصف المخاطر التي يتعرض لها مستخدموا السجائر التقليدية”.
وحول السؤال عن التبغ المُسخّن فيما إذا كان أفضل من السيجارة الإلكترونية، قال الخبير الصحي الإسباني، إن كلاهما بديلان خاليان من الدخان، ومن الناحية النظرية يمكن لأي منهما أن ينجح في تخفيف المخاطر، لكن هناك المزيد من البيانات العلمية المتعلقة بإيجابية التبغ المُسخّن بشكل أكبر. مضيفا أن التبغ المُسخّن لا يمكن استخدامه إلا للغرض المصمّم له، ولا يسمح باستخدامات أخرى، بينما يمكن إساءة استخدام السجائر الإلكترونية “الفيب” كما حدث في الولايات المتحدة، حيث تم استخدامها في تدخين المواد المخدرة.
وأشاد الخبير الصحي بالتجربة السويدية في هذا المجال، لافتا إلى السويد التي تسمح بتداول كافة منتجات التبغ والنيكوتين البديلة، بالاضافة إلى استخدام السنوس (المحظور في بقية دول الاتحاد الأوروبي)، وهو عبارة عن أكياس تحتوي على “التبغ مع النيكوتين” أو “النيكوتين فقط”، والتي توضع بين الشفة العلوية واللثّة لفترة من الزمن وتطلق محتوياتها ببطء دون دخان، والتي لاقت رواجًا كبيرًا منذ السبعينيات. وقد شهدت السويد انخفاضاً كبيراً في الإصابة بسرطان الرئة والنوبات القلبية ومرض الانسداد الرئوي المزمن. كما أنها تقترب من إعلانها الدولة الوحيدة “الخالية من التدخين”، أي أقل من 5% من مدخني التبغ بحلول عام 2025.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، المسئولة عن تنظم تسويق منتجات التبغ، باتت تدعم استراتيجية الحد من المخاطر، وتنظر في تصنيف “منتجات التبغ ذات المخاطر المعدلة”، مثل التبغ الخفيف، أو التي تقلل بشكل كبير من التعرض للمواد السامة، مثل التبغ المُسخّن وتسمح بإضافة عبارات إلى ملصقاتها مثل “إذا كنت مدخنًا، فضع في اعتبارك أن التحول تمامًا من السجائر إلى هذا المنتج يقلل من خطر الإصابة بسرطان الرئة”.
وشدد الدكتور مونتيوليفا، على ضرورة حماية الشباب من البدء في استخدام أي منتج من منتجات التبغ أو النيكوتين، من خلال التوعية الاجتماعية والتثقيف داخل الأسرة والمدرسة. كما يجب تنظيم سوق منتجات التدخين بحسب درجات المخاطر المحتملة، بحيث تكون أقل تقييدا للمنتجات الأقل خطورة مثل منتجات التبغ المسخن. كما يجب التشديد من الهيئات التنظيمية والمستهلكين لضمان أن هذه المنتجات تلبي معايير الجودة والسلامة، وحكام الرقابة لمنع تداول هذه المنتجات بشكل غير شرعي.