صرّح الدكتور أحمد صقر، رئيس مجلس إدارة شركة SDC للاستثمار وإدارة الأصول العقارية والرئيس التنفيذي لمنصة فريدة للتكنولوجيا العقارية، بأن السوق العقاري المصري يعيش حاليًا واحدة من أكثر مراحله حساسية ودقة خلال العقد الأخير، بعد أن فرض التعويم الأخير للجنيه اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام المطورين العقاريين وقدرتهم على مواجهة الأزمات بواقعية ومهنية.
وأكد أن ما يحدث اليوم ليس مجرد أزمة عابرة، بل عملية “تصحيح شاملة” تعيد رسم الخريطة الاستثمارية في القطاع العقاري بأكمله، وتميز بوضوح بين من يبني الثقة بالعمل وبين من يراهن على البريق الإعلاني.
وأوضح صقر أن عدداً من الشركات الكبرى تأثرت بشدة بموجة التعويم الأخيرة، وعلى رأسها ماونتن فيو، والأهلي صبور، ومصر إيطاليا، وتطوير مصر، وذلك نتيجة بيعها كميات كبيرة من الوحدات قبل ارتفاع أسعار مواد البناء وتكاليف التنفيذ، في وقت لم تكن فيه أغلب هذه المشروعات قد دخلت حيز الإنشاء الفعلي.
وأشار صقر إلى أن هذا التفاوت بين التزامات البيع القديمة والتكاليف الجديدة خلق فجوات تمويلية ضخمة داخل ميزانيات بعض الشركات، ما دفعها إلى اتباع سياسات توسعية سريعة وغير محسوبة في محاولة لتغطية تلك الفجوات عبر طرح مشروعات جديدة، بدلًا من معالجة جذور الأزمة أو إعادة هيكلة خطط التنفيذ.
وأضاف صقر أن المقارنة بين أداء هذه الشركات الأربع تكشف عن تباين كبير في طريقة إدارة الأزمة، حيث اختارت أغلبها “الهروب إلى الأمام” عبر الطرح المستمر دون إنجاز حقيقي، بينما تفرّدت شركة تطوير مصر باتخاذ مسار مختلف تمامًا يقوم على الانكماش الواعي وإعادة ضبط الإيقاع الداخلي قبل أي توسع جديد. فقد توقفت الشركة عن طرح مشروعات جديدة على مدار العامين الماضيين، وركزت على تسريع وتيرة التنفيذ في مشروعاتها القائمة مثل بلومفيلدز وريفير ودي باي، لتصبح معدلات الإنجاز بها الأعلى بين المنافسين في نفس الفئة.
وألمح صقر إلى أن “تطوير مصر” تعاملت مع الأزمة بعقلانية ومسؤولية عالية، حيث اتجهت للحصول على تمويلات مصرفية مضمونة بضمانات إنشائية واضحة، وأدارتها عبر حسابات ضمان بنكية مستقلة لكل مشروع، بما يضمن الشفافية والانضباط المالي الكامل، فضلًا عن اعتمادها سياسة تسعير واقعية للوحدات الجديدة ترتكز على معدلات التنفيذ الفعلية وليس على توقعات مستقبلية.
وأوضح صقر أن هذا النهج عزز ثقة العملاء وأعاد رسم علاقة صحية بين المطور والمشتري قائمة على الالتزام والمصداقية لا على التسويق المبالغ فيه.
وأكد صقر أن هذا النموذج في الإدارة يجب أن يُدرس داخل القطاع العقاري المصري كنموذج للمسؤولية المؤسسية وقت الأزمات، خاصة وأن الشركة استطاعت بفضل هذا النهج أن تطرح في الوقت الحالي مشروعًا جديدًا بمدينة المستقبل بتسليم خلال عامين فقط، بعد أن نجحت في عبور المرحلة الأصعب من الأزمة دون تأخير مفرط أو ضغط على العملاء.
وشدد صقر على أن هذه الخطوة تمثل رسالة قوية للسوق بأن الانضباط المالي والتخطيط الواقعي هما أساس البقاء في مرحلة التعويم، لا الاندفاع في التوسع أو الاعتماد على الحملات الإعلانية.
وأضاف صقر أن السوق العقاري المصري يمر الآن بحالة فرز طبيعي، حيث تتكشف ملامح المطورين القادرين على مواجهة الأزمات بمرونة وانضباط من أولئك الذين يكتفون بالضجيج التسويقي والوعود غير القابلة للتنفيذ.
وقال صقر إن المقارنة بين مشروعات الساحل الشمالي تكشف بوضوح الفارق بين الشركات التي تقدمت في تنفيذ مشروعاتها بشكل ملموس، وأخرى لا تزال تراوح مكانها بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الطرح، رغم استمرارها في البيع والترويج وكأن الأوضاع ثابتة.
وتابع صقر أن دخول كيانات كبرى مثل إعمار، وسوديك، والفطيم إلى منطقة المستقبل سيتي سيعيد رسم الخريطة الاستثمارية لشرق القاهرة، مشيرًا إلى أن التركيز الحالي على النشاط السكني وحده لم يعد كافيًا لتلبية احتياجات المنطقة، وأن المرحلة المقبلة ستشهد اتساعًا في الطلب على القطاعات الفندقية، والإدارية، والتجارية، والطبية، باعتبارها الركائز الأساسية لتحقيق العائد الإيجاري المستدام وضمان توازن المنظومة العمرانية الجديدة.
واختتم صقر مؤكدًا أن ما يحدث الآن في السوق العقاري المصري هو عملية تصحيح هيكلي حقيقية تضع كل شركة في موقعها الطبيعي وفقًا لمدى التزامها وقدرتها على التنفيذ الواقعي، كما إن الفترة المقبلة ستشهد تراجع دور الأسماء اللامعة التي اعتمدت على الإعلانات، وبروز دور الشركات التي امتلكت الرؤية والجدية في الأداء، مؤكدًا أن “المستقبل في السوق العقاري المصري لن يكون للأكبر حجمًا، بل للأكثر التزامًا”، وأن القطاع مقبل على مرحلة جديدة عنوانها: الانضباط.. والمساءلة.. والجدارة في التنفيذ
