تُعدّ التجارة غير المشروعة إحدى أبرز القضايا التي تؤرق المجتمع الدولي حاليًا، لما تسببه من أضرار بالغة على المستويات الاقتصادية والصحية والأمنية.
ومع اتساع رقعة هذه الظاهرة عالميًا، خاصة في قطاعات حساسة اكلأدوية والمنتجات الإستهلاكية اليومية والإلكترونيات وقطع غيار السيارات، تتسارع وتيرة الجهود الدولية لمواجهتها، من خلال نماذج تعاونية وحلول مبتكرة.
وتبرز تجارب دولية ناجحة في هذا الإطار، تثبت أن الحلول الفعالة ممكنة إذا ما توافرت الإرادة والتعاون بين الأطراف المعنية.
وفي هذا السياق، أكد ماركوس بونتوري، مدير الحوكمة العامة بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) من البرازيل، أن بناء شراكات قوية بين القطاعين العام والخاص هو المفتاح الأساسي لوقف تمدد التجارة غير المشروعة. وأوضح أن هذه الشراكات تتيح للحكومات الوصول إلى الأدوات والتقنيات والخبرات التي يملكها القطاع الخاص، مما يرفع من كفاءة المواجهة.
ومن جانبه، أشار كونيو ميكوريا، الأمين العام لمنظمة الجمارك العالمية (WCO) من اليابان، إلى أن تهريب التبغ تحديدًا يمثّل تحديًا عابرًا للحدود لا يمكن لأي جهة التصدي له بمفردها. وأفاد بأن التعاون بين إدارات الجمارك والهيئات الدولية والصناعة المشروعة بات ضرورة ملحّة، لا خيار فيه، لتفكيك الشبكات الإجرامية المنظمة. ففي كندا، تم إطلاق مبادرات حكومية بالشراكة مع شركات التكنولوجيا لمراقبة وتتبع حركة السجائر المهربة باستخدام أنظمة ذكية متطورة، مما ساهم في تقليص حجم السوق السوداء. وفي أمريكا اللاتينية، تشكّلت تحالفات إقليمية تجمع بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية بهدف الحد من تهريب السلع عبر الحدود، وتقليص الآثار السلبية على الاقتصاد المحلي.
وعلى الرغم من هذه الجهود، ما تزال التجارة غير المشروعة تشكل تهديدًا متزايدًا في العديد من البلدان. ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل المعقدة، أبرزها ضعف إنفاذ القوانين، وانتشار الفساد، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، فضلًا عن ارتفاع أسعار المنتجات القانونية أو نقص في العرض عن الطلب، ومثل هذه العوامل المعقدة تستغلها شبكات الجريمة المنظمة لتوسيع نشاطها وتعزيز نفوذها.
وأمام هذا المشهد المُقلق، يُصبح من الواضح أن المعالجة التقليدية لم تعد كافية. فالتصدي لهذا الخطر يتطلب استجابة جماعية شاملة، تقوم على أسس الشفافية والمساءلة، والدمج بين التشريعات الحازمة والرقابة الذكية، مع الحملات التوعوية الفعّالة التي تستهدف جميع شرائح المجتمع. ومن خلال هذا النهج التكاملي فقط، يمكن كبح جماح التجارة غير المشروعة، وحماية الاقتصادات الوطنية، وضمان بيئة أكثر أمانًا وعدالة للمستهلكين في مختلف أنحاء العالم.